“في مقابلة شاملة … وزير الطاقة اللبناني يفضح: الحظر الأمريكي يعرقل جهود التعاون مع شركائنا لحل أزمة الكهرباء، ورغم وصول الديزل الإيراني، الكهرباء الأردنية والغاز المصري لم يصلا بعد!”
في مقابلة حصرية معThe Cradle ، تناول وزير الطاقة اللبناني وليد فياض معضلة أزمة الطاقة في البلاد: احصل على النفط الإيراني وتعرّض لعقوبات أمريكية، أو انتظر إلى أجل غير مسمى مبادرة تدعمها الولايات المتحدة.
مضى نحو 20 شهراً على وعد السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا، اللبنانيين بحل جزئي، لأزمة الكهرباء التاريخية في لبنان. في 19/8/2021، بعد إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بدء استقدام مادة الديزل من إيران إلى لبنان، أعلنت السفيرة الأميركية أن بلادها ستسعى إلى استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، إلى لبنان، بتمويل من البنك الدولي.
الديزل الإيراني وصل. أما الكهرباء الأردنية والغاز المصري، فلم يصلا بعد.
وزير الطاقة اللبناني، وليد فياض، يشرح لـThe Cradle أسباب عدم تمكّن لبنان من الحصول على الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، ومن هي الدولة التي تمنع ذلك.
*لماذا لم يُنفذ بعد مشروع استجرار الغاز والكهرباء من الأردن ومصر إلى لبنان، عبر سوريا؟
– قبل تعييني وزيراً للطاقة، التقيت الرئيس ميشال عون. أخبرني أن أزمة انقطاع الكهرباء في لبنان ستُحل أخيراً، وأن البنك الدولي مستعد لتمويل مشروع لجر الكهرباء والغاز من مصر والأردن إلى لبنان. وكانت السفيرة الأميركية في بيروت أعلنت أمراً مشابهاً في وقت سابق. اعتقدتُ أنّ مشروعاً استراتيجياً عربياً كهذا، مع دعم أميركي، هو الحل المنطقي للأزمة. رأيت في ذلك فرصة ذهبية للبنان لا ينبغي أن تُفوّت، وفرصتي للنجاح في مشروع جاهز يحظى بدعم كل الأطراف.
*لمَ اعتبرتَ أن هذا الحل “طبيعي”؟
– الأمر بسيط. اقتصادياً وجغرافياً وسياسياً، هذا حل منطقي جداً. العلاقة مع سوريا تاريخية وعميقة. أما بالنسبة لمصر فهي الدولة العربية الكبرى التي تسعى دائماً إلى توثيق العلاقات العربية.
*ألا تعتقد أن هناك ارتباطاً بين إعلان السفيرة الأميركية في بيروت (19/8/2021) أن بلادها تدعم مشروع استقدام الغاز والكهرباء إلى لبنان، وبين اعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في اليوم نفسه عن استقدام شحنات من المازوت الإيراني إلى لبنان؟
– قد يكون هناك ارتباط. ربما كان إعلان السفيرة ردة فعل على نصر الله.
*ما هو العائق الحالي لاستكمال المشروع؟
– العائق الأساسي يتعلق بمرور الغاز والكهرباء عبر سوريا ما يعطيها الحق في فرض رسم مرور. رتبنا الأمور مع دمشق، وأبلغنا الولايات المتحدة والبنك الدولي أن سوريا لن تفرض رسوماً مالية، وستحصل بدل ذلك على 8% من الغاز الذي سيمر عبر أراضيها، ولم يعترض الأميركيون على ذلك.
* الجميع وافق على هذه المعادلة؟
– نعم. رحّب بها الأميركيون والبنك الدولي، وكذلك الأردن مصر وسوريا.
* من أبلغك موافقة الطرف الأميركي على نسبة الـ8% للسوريين؟
– أنا وضعت الاقتراح بما يلائم كل الأطراف، ووافقت عليه السفيرة الأميركية في بيروت والمبعوث الرئاسي الأميركي لشؤون الطاقة عاموس هوكشتاين.
* كلاهما، السفيرة وهوكشتاين، أخبرك موافقته والمضي بالأمر؟
– نعم، أعطيا موافقة مبدئية، وقالا إن المشروع لا يتعارض مع قوانين العقوبات لأنه لا يتضمّن دفع أموال لسوريا. الموافقة النهائية مرتبطة بمعرفة بقية التفاصيل حول الشركات المعنية بالتعاقد، والتأكد من عدم وجود أي اسم مدرج على لائحة العقوبات الأميركية.
* هل يعود تأخّر موافقة البنك الدولي على تمويل المشروع إلى تأخر وزارة الطاقة اللبنانية في تعيين أعضاء الهيئة الناظمة للكهرباء؟
– كلا، لم يكن هناك شرط لتعيين أعضاء الهيئة الناظمة. اتفاقنا مع البنك الدولي كان على إطلاق عملية التوظيف، مع مهلة 18 شهراً لتعيينهم، ثم 18 شهراً لتفعيل عمل الهيئة. وهذا ما أنجزناه. في ربيع 2022، عُقد اجتماع للهيئة التنفيذية التابعة للبنك الدولي في واشنطن، وظهر اختلاف في وجهات النظر. البعض اشترط إصلاحات ليس فقط في قطاع الطاقة، بل في كل القطاعات. البنك الدولي أكد لنا أنه يريد المضي في المشروع، لكن هناك من يمنعه، وعلينا مراقبة أمور معيّنة تحصل في لبنان.
* هل تعتقد أن الطرف الأميركي هو الذي يمنع البنك الدولي؟
– الولايات المتّحدة كان مصرّة على المشروع بحسب السفيرة الأميركية. صيف 2022، بدأت تخبرنا بضرورة تحقيق مطالب البنك الدولي، وهي مطالب لا علاقة لوزارة الطاقة بها، ولم نتفق عليها سابقاً مع البنك الدولي. مع العلم أنه في مرحلة ما لم يكن هناك وضوح، خاصةً في مسألة تسليم رسائل أميركية خطية إلى كل من مصر والأردن لإبلاغهما بالإعفاء من العقوبات. كان يجب إصدار هذا الإعفاء قبل الاتفاق اللبناني مع البنك الدولي أو العكس.
* باعتقادك، كل هذه التفاصيل لا يمكن أن تحل في جلسة واحدة؟ يجلس الجميع على طاولة واحدة يتبادلون فيها الأوراق ويتناقشون في التفاصيل؟
– أنا أعتقد أن وجود النية يعني وجود الزخم، في الفترة الأولى كان الزخم كبيراً، ثم بدأ يتهاوى.
* ما سبب غياب هذا الزخم؟ هل الأميركي هو المسؤول عن تراجع المضي بالمشروع؟ أم هناك طرف آخر يؤثّر؟
– هم يدّعون أن البنك الدولي هو العائق، ولكنني أعلم أنهم شركاء رئيسيون وهم من يؤثّرون في الموقف.
* لماذا تراجع الزخم الأميركي؟
– بسبب خلاف في وجهات النظر في الكونغرس حول ما إذا كان يجب أن يُسمح لسوريا بالاستفادة من الغاز الذي سيمر عبر أراضيها
* إذا كانت الولايات المتحدة تريد خنق سوريا بالعقوبات، لماذا ستسمح لها بالاستفادة من هذا المشروع، حتى ولو بنسبة 8% فقط؟ وفي ما يتعلق بلبنان، ألا تعتقد أن مصلحة الأميركيين هي أن لّا يحقق لبنان أهدافه السياسية؟
– لا أعلم، لكن لا أجد في التأجيل مصلحة للأميركيين ولا للأطراف اللبنانية المؤيدة للتوجّه نحو الغرب. بالعكس، أجد أن التوجه غرباً في حالة تراجع مستمر شعبياً.
* لكن لو كانت النوايا جيدة، يمكن أن يسلك المشروع طريقه الى التنفيذ؟
– صحيح، لأن كل شيء جاهز. لكن الحكومة المصرية تطالب بتطمينات بعدم استخدام قانون قيصر ضدها.
* هل سوريا والأردن ومصر جاهزة تقنياً لبدء استجرار الطاقة إلى لبنان؟
– الطرف السوري لم يكن لديه أي مشكلة في أنابيب الغاز، وكان يدرس نوعية الغاز التي تخرج منه، ما إذا كانت مناسبة لنا أم لا، فالغاز المصري عندما يصل الى سوريا يستخدم هناك لتوليد الطاقة، وسوريا تُرسل لنا الكمية ذاتها من الغاز من حقولها في حمص، بعد حسم 8 % بدل رسوم المرور عبر الأراضي السورية.
* إذاً لماذا لم يمضِ الأميركيون في المشروع حتى الآن؟
– أنا مقتنع أنّه إذا كانت هناك نية أميركية، سنكون قادرين خلال 3 أيام فقط على استقدام الغاز والكهرباء إلى لبنان.
* هل لديكم تقدير للخسائر التي كان لبنان سيتجنّبها لو أن المشروع سلك طريقه إلى التنفيذ؟
– نحن ندفع مليار دولار تقريباً كلفة 700 ميغاواط. الغاز المصري والكهرباء الأردنية يسمحان لنا بالحصول على 700 ميغازاط مقابل 500 مليون دولار. أي أن الوفر الذي سيتحقق يبلغ 500 مليون دولار سنوياً.
* هذا عدا عن المبالغ التي تدفع على المولّدات الخاصة للكهرباء؟
– ما ذكرته في جوابي السابق هو عن التكلفة الرئيسية للكهرباء.
إضافة إلى ذلك، فإن زيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي يخفض كلفة الكهرباء في كل القطاعات وتخفف من استخدام المولدات، وبالتالي التخفيف من كلفة الانتاج وأسعار السلع.
* هل تطرقتم إلى استقدام الغاز والكهرباء على هامش المفاوضات لترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان (27/10/2022)؟
– البحث في استقدام الغاز المصري بدأ قبل ترسيم الحدود. سألت عاموس هوكشتاين عن ذلك فنفى أن يكون هناك ربط بين الإثنين، لكنّه قال إن الترسيم قد يساعد في تنفيذ المشروع.
* ماذا عن العرض الإيراني لمنح لبنان كميات مجانية من النفط كافية لإنتاج كهرباء لمدة 6 أشهر على الأقل؟
– أرسلنا وفداً إلى طهران لدرس المواصفات وأكد الايرانيون أنهم مستعدون لتزويدنا بكل ما نحتاجه.
* ما الذي كانت ستؤمنه لنا هذه الهبة؟
– لقد أخبروني أن الشحنة الأولى ستأتي بالنوع الذي نريده. كيف ذلك؟ لا أعلم. والدفعات التي تليها تأتي بنوعية مختلفة ونحن نقوم بتبديلها كما نفعل مع العراق.
* ما الذي كانت ستوفّره الهبة الايرانية؟
– قدّرت بـ 350 مليون دولار. كنا قادرين على تأمين 10 ساعات من الكهرباء يومياً، في حال حصلنا على النفط من العراق وإيران وعلى الغاز من مصر.
لو قبلنا الهبة الإيرانية، كنا حققنا منها إنتاج 4 ساعات كهرباء يومياً لكل لبنان.
* هل طلب الأميركيون منك رفض العرض الإيراني؟
سألت السفيرة الأميركية إذا كان العقوبات الأميركية تشمل هذا العرض، فقالت لي: اترك الأمر لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وهو أعلن أن لبنان لا يستطيع قبول العرض الإيراني بسبب العقوبات الأميركية.
* يمكن أن نستنتج أن الولايات المتّحدة تمنع لبنان من التعاون مع أصدقائه للتزوّد بالطاقة؟
– نعم، بالنسبة الى العرض الايراني كان ذلك واضحاً. في ما يتعلق بمصر، تعاونت الولايات المتحدة تعاونها بشكلٍ كبير، منذ آب 2021، ولكن مصر بحاجة إلى ضمانات أميركية مكتوبة. وحتى اليوم هذه الضمانات لم تصل.